قصة إشراق والملاذ الأخير

قصص قبل النوم | قصة إشراق والملاذ الأخير – استعد لرحلة مشوقة بين الواقع والخيال مع هذه القصة الملهمة. تعد قصص قبل النوم وسيلة رائعة لاستخلاص العبر قبل النوم، خاصة للبالغين الذين يستمتعون بسردٍ غنيٍ بالمشاعر والمعاني.
إذا كنت تبحث عن قصص قبل النوم للكبار أو قصص ما قبل النوم الهادفة، فهذه القصة الطويلة والمكتوبة بأسلوب شيّق ستأخذك إلى عالم من التشويق والتأمل. سواء كنت من محبي قصص قبل النوم الطويلة أو القصيرة، ستجد في هذه القصة ما يجعلك تتأمل الحياة من منظور جديد.
قصة إشراق والملاذ الأخير
في أطراف مدينة صاخبة، حيث تتلاشى ضجة الحياة المدنية وتبدأ همسات الطبيعة، كانت تقف فتاة نحيلة تدعى إشراق. كانت تنظر بعينين متعبتين إلى الأفق حيث تمتد غابة كثيفة تتراقص أشجارها مع نسمات المساء. كان اسمها يحمل معنى النور والضياء، لكن حياتها كانت غارقة في ظلمة قاسية لم تعرف منها سوى القليل من لحظات الدفء.
ولدت إشراق في بيت متواضع يغمره الحب رغم قلة الحال. كانت طفلة هادئة ذات عينين واسعتين تتأملان العالم بفضول كبير. منذ أن كانت في الرابعة من عمرها، ظهرت موهبتها في الرسم حين كانت تخطط بأصابعها الصغيرة على التراب، أو على الورق القديم الذي كان والدها يجلبه لها من عمله كعامل في مطبعة محلية.
كان والدها يشجعها دائماً: “ستصبحين فنانة عظيمة يا إشراق.” كان يقول لها وهو يتأمل رسوماتها البسيطة للطيور والأشجار. لكن السعادة لم تدم طويلاً، فقد توفي والدها في حادث عمل مأساوي حين كانت في السادسة من عمرها، تاركاً خلفه زوجته وطفلته الصغيرة تواجهان قسوة الحياة.
رغم المصاعب، حرصت والدتها على تعليمها وتشجيع موهبتها. كانت تعمل خياطة في محل صغير وتعود متعبة كل مساء، لكنها كانت تجلس مع إشراق لتتأمل رسوماتها وتثني على إبداعها. لم تكن تملك المال لشراء أدوات رسم حقيقية، لكنها كانت تحصل على بقايا الأقلام والألوان من محلات القرطاسية، وأحياناً كانت تجمع أوراق الصحف القديمة لترسم إشراق على ظهرها.
في السنة الرابعة الابتدائية، تفوقت إشراق في دراستها رغم ظروفها الصعبة. كانت تذهب إلى المدرسة بحذاء متهالك وثياب بسيطة، لكن عقلها كان يتوهج بالذكاء والفضول. حين حصلت على المرتبة الأولى في صفها، قامت والدتها بشيء غير متوقع. جمعت نقوداً ادخرتها بصعوبة بالغة واشترت لإشراق كأساً زجاجياً صغيراً منقوشاً “.
“هذا أول كأس من مئات الكؤوس التي ستحصلين عليها في حياتك يا إشراق،” قالت لها والدتها وهي تقدم لها الهدية. لم تكن هدية ثمينة، بل كأس بسيط من زجاج رخيص، لكنه كان يعني العالم كله بالنسبة للفتاة الصغيرة.
أصبح ذلك الكأس أغلى ما تملك إشراق. كانت تضعه على الرف الصغير بجانب سريرها، وكلما شعرت بالإحباط، نظرت إليه وتذكرت كلمات والدتها.
في المدرسة الإعدادية، اكتشف معلم الفنون موهبتها الاستثنائية في الرسم. كان يندهش من قدرتها على نقل المشاعر عبر لوحاتها البسيطة. “لديكِ عين ترى ما لا يراه الآخرون،” قال لها ذات مرة. كان يعطيها ألواناً إضافية ويسمح لها بالبقاء بعد انتهاء الحصص لتستخدم أدوات المرسم.
صنعت إشراق لوحة رائعة في عيد ميلاد والدتها الخامس والأربعين – رسمت صورة لها وهي تبتسم، محاطة بالزهور الملونة وأشعة الشمس. لم تكن الصورة واقعية تماماً، لكنها كانت مليئة بالمشاعر والأمل. علّقتها والدتها بفخر في الصالة الصغيرة لبيتهما المتواضع.
لكن بعد فترة وجيزة، بدأت والدتها تعاني من آلام شديدة في صدرها. حاولت إخفاء مرضها عن ابنتها، لكن الأمر ازداد سوءاً. المشافي باهظة الثمن، والعلاج أبعد من قدرتهما المالية. استمرت في العمل رغم تدهور صحتها، حتى تضمن بقاء إشراق في المدرسة.
في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية، انهارت والدتها في العمل ونُقلت إلى المستشفى. اضطرت إشراق لترك المدرسة والعمل في وظائف متقطعة للمساعدة في نفقات البيت والعلاج، لكن المرض كان أقوى، والفقر كان قاسياً.
خلال الأشهر الأخيرة من حياة والدتها، كانت إشراق ترسم لها كل يوم، تحاول إدخال السعادة إلى قلبها المتعب. رسمت لها حدائق وشواطئ وأماكن جميلة لم تزرها أبداً. كانت والدتها تبتسم وتقول: “أشعر أنني زرت هذه الأماكن معك يا حبيبتي.”
وقبل عام فقط، رحلت والدتها بعد صراع طويل مع المرض والفقر، تاركةً إشراق وحيدة في التاسعة عشرة من عمرها، لا تملك شيئاً سوى ملابس رثة، الكأس البسيط، وموهبتها في الرسم. قذفها صاحب الغرفة المتهالكة خارجاً بعد أيام من وفاة والدتها، لتجد نفسها بلا مأوى، تتنقل بين أزقة المدينة وضواحيها الفقيرة.
كانت إشراق تجلس الآن على صخرة كبيرة عند مدخل الغابة، تضم ركبتيها إلى صدرها في محاولة للشعور بالدفء.
“لقد سئمت من البحث في القمامة عن الطعام والملابس،” همست لنفسها بينما تمسح دمعة متمردة. “سئمت من نظرات الشفقة واللوم، من الكلاب الضالة التي تطاردني، من جامعي النفايات الذين يضربونني…” كان قد مر أسبوع منذ تعرضها للضرب المبرح على يد عمال النظافة الذين اتهموها بتناثر القمامة التي كانت تبحث فيها عن بقايا طعام. لا تزال الكدمات تلون ذراعيها وظهرها، وكانت آثار الجروح على قدميها الحافيتين تؤلمها مع كل خطوة.
تذكرت كيف كانت ترسم بأصابعها الصغيرة على التراب، وكيف كانت والدتها تصفق لها بسعادة. تذكرت لوحاتها المعلقة في غرفة الفنون بالمدرسة، وكلمات معلمها: “موهبتك هبة، لا تدعيها تضيع.”
رفعت عينيها نحو الغابة الكثيفة. كانت قد سمعت من بعض المتشردين حكايات عن الغابة العميقة – عن أشجارها المثمرة وينابيعها العذبة، وعن وحوشها وأخطارها أيضاً. لكنها الآن لم تعد تخشى شيئاً. لقد وصلت إلى نقطة اليأس التي تجعل المخاطرة بالحياة أهون من الاستمرار في معاناة لا تنتهي.
“سأذهب إلى الغابة،” قررت بصوت مسموع، يشوبه رعشة خفيفة، إما أن أجد مكاناً لي هناك… أو أرتاح من هذه الحياة.”
جمعت أغراضها القليلة في قطعة قماش متهالكة – بعض الخبز الجاف، قارورة ماء نصف ممتلئة، وثوباً متسخاً. وببساطة، اتخذت أول خطوة نحو مصيرها المجهول، تاركة خلفها عالماً لم يمنحها يوماً شعوراً بالانتماء.
مع أول خطوة على أطراف الغابة، استوقفها صوت خشن:
“قفي مكانك! هذه منطقة محمية، لا يسمح بالدخول!”
كان حارس الغابة، رجلاً في منتصف العمر ببذلة خضراء وقبعة رسمية. نظر إليها بريبة ممزوجة بالشفقة.
تمتمت إشراق بصوت خافت”أنا… أنا فقط أريد المرور،”.
“هذه غابة خطرة يا فتاة، فيها دببة وخنازير برية وثعابين. لا يمكنك الدخول وحدك.”
أطرقت إشراق برأسها للحظات، ثم رفعته بعينين تشعان بإصرار غريب.
” قالت بهدوء، “ليس لدي ما أخسره “ليس لدي مكان آخر أذهب إليه،.”
نظر إليها الحارس بحيرة، ثم هز رأسه متنهداً. “اسمعي، ليست مسؤوليتي منعك بالقوة، لكنني حذرتك. ما وراء هذه الأشجار ليس نزهة، بل صراع للبقاء.”
ومن دون أن تنتظر كلمة أخرى، تحركت إشراق بسرعة نحو الأشجار الكثيفة، متجاهلة صيحات الحارس الأخيرة، تاركة خلفها آخر صلة بالعالم البشري.
بدأت رحلتها الصعبة عبر الغابة. كانت الأشواك تمزق قدميها الحافيتين، والأغصان المنخفضة تخدش وجهها وذراعيها. مع اقتراب الظلام، تسللت إلى مسامعها أصوات غريبة – هسهسات وزمجرات خافتة جعلت قلبها يخفق بشدة. قضت ليلتها الأولى مرتعشة أسفل شجرة عملاقة، تحاول أن تتجاهل وخز الحشرات وبرودة الأرض الرطبة.
مع شروق الشمس، واصلت مسيرتها الشاقة. ثلاثة أيام من المعاناة والجوع والخوف، حتى وصلت أخيراً إلى جزء من الغابة تتناثر فيه أشجار التفاح البري. سقطت تحت إحداها منهكة، وبيد مرتعشة التقطت تفاحة سقطت على الأرض، قضمتها بنهم، تاركة الدموع تنساب على وجهها المتعب.
” همست لنفسها، “سأبقى هنا وأبني حياة جديدة “سأعيييش.”
خلال الأسابيع التالية، تعلمت إشراق دروساً قاسية في البقاء. تعلمت كيف تبني ملجأً بسيطاً من الأغصان والأوراق، وكيف تشعل ناراً صغيرة، وأين تجد الفاكهة البرية الصالحة للأكل. كانت كل محاولة للإمساك بالدجاج البري تنتهي بالفشل في البداية، لكنها تحسنت مع الوقت. وتعلمت أيضاً كيف تتجنب الحيوانات المفترسة، وأن تختبئ عند سماع خطوات الدببة البنية.
على الرغم من صعوبة الحياة في الغابة، شعرت إشراق بسلام داخلي لم تعرفه من قبل. هنا، لا أحد ينظر إليها بازدراء بسبب ملابسها الرثة أو رائحتها، لا أحد يطردها أو يستغلها. كانت وحدها مع الطبيعة، تعمل من الفجر حتى الغسق، تكافح من أجل البقاء، لكنها أخيراً كانت تشعر أنها حرة.
ذات يوم خريفي، بينما كانت إشراق تقطف بعض ثمار التوت البري، اصطدمت قدمها بشجيرة صغيرة غريبة. خرج من الشجيرة سائل أحمر داكن لطخ قدمها. للحظة، شعرت بالذعر، ظنت أنه قد يكون سائلاً ساماً، لكن شيئاً ما في داخلها أثار فضولها. مسحت بعضاً من السائل بإصبعها، ولمعت عيناها فجأة.
“لون!” همست بدهشة، وفي لحظة، تدفقت إليها ذكريات أيام المدرسة، حيث كانت تسرق لحظات السعادة النادرة من خلال الرسم.
بحماس طفولي، جمعت إشراق بعضاً من هذا السائل في وعاء صغير صنعته من قشرة شجرة مجوفة. رجعت إلى كوخها البسيط، وبدأت في تحضير “لوحة” من لحاء شجرة مسطح، وصنعت فرشاة بدائية من عصا رفيعة وبعض الأعشاب. وضعت أمامها تفاحة وبعض حبات التوت، وتنفست بعمق.
“سأرسمها،” قررت، “وسأرسم الكأس الذي اشترته لي أمي عندما نجحت في الصف الرابع.”
غرقت في عملها، نسيت الزمن والمكان، وشعرت بدفء يسري في أوصالها. كانت أصابعها ترقص على اللوحة البدائية، تشكل خطوطاً وظلالاً بمهارة فطرية. كادت أن تنتهي من رسم الكأس عندما لدغتها بعوضة في ساقها، فصرخت بألم مفاجئ واهتزت يدها، مما أدى إلى سقوط اللوحة.
بعد أن هدأت وعالجت مكان اللدغة بأوراق نباتية مهدئة، عادت لتكمل رسمتها. لكن ما رأته جعلها تتراجع مذعورة – الكأس الذي رسمته اختفى من اللوحة! كانت التفاحة والتوت لا يزالان هناك، لكن مكان الكأس كان فارغاً تماماً، كما لو أن أحداً محاه.
سألت نفسها بحيرة. “هل أتخيل؟”لكنني متأكدة أنني رسمت الكأس!”
مع حلول الصباح التالي، كانت مفاجأة أخرى تنتظرها. تحت لوحتها، على الأرض، كان هناك كأس خشبي يشبه تماماً الكاس الذي اهدته لها والدتها – نفس الشكل، حتى نفس النقوش البسيطة . تحسسته بأصابع مرتعشة، كان حقيقياً، ملموساً.
” همست “مستحيل….
دارت عيناها في الكوخ، تبحث عن تفسير منطقي. هل هناك أحد آخر في الغابة؟ هل وضع أحدهم هذا الكأس هنا عن قصد؟ لكن الكوخ كان كما تركته، ولم تكن هناك علامات على دخول أحد.
بيد مرتجفة، التقطت لوحتها مرة أخرى. نظرت إلى الكأس الخشبي ثم جائت عينها على اللوحة. “فقالت باستغراب بعد فترة طويلة من التفكير. هل يمكن…؟”
بدات تفكر ما حصل معها البارحة وكيف انها ضربت الوحة عندما قرصتها البعوضة -فقام بنفس الفعل وضربت بيد اللوحة فتدفق كأس ثانٍ من اللوحة، سقط على الأرض بصوت خشبي خافت.
صرخت إشراق، متراجعة إلى زاوية الكوخ. “ما هذا؟ “أعوذ بالله!””
استغرق الأمر منها يوماً كاملاً لتتجرأ على الاقتراب من اللوحة مرة أخرى. وعندما فعلت، بدأت تجارب مثيرة – رسمت كرسياً صغيراً، وبنفس الطريقة، ظهر كرسي حقيقي. رسمت بطانية، فظهرت بطانية حقيقية من اللون نفسه. لكن عندما رسمت تفاحة، لم يحدث شيء.
“يبدو أن الطعام لا يظهر من اللوحة “غريب،” فكرت، .”
بحثت إشراق في أنحاء الغابة عن المزيد من النباتات السحرية، ووجدت أن النبتة ذاتها موجودة بألوان مختلفة – أخضر، أزرق، أبيض. مع كل لون جديد، توسعت إمكانيات إبداعها. أصبح كوخها البسيط قصراً صغيراً، مليئاً بالأثاث البسيط والأدوات المفيدة، كلها مصنوعة من خلال موهبتها السحرية في الرسم.
مرت الأيام والشهور، وإشراق تطور مهارتها، تصنع عالمها الخاص، بعيداً عن قسوة البشر وجشعهم. لم تكن تدرك أن حياتها الهادئة ستتغير قريباً، عندما تقترب بعثة جيولوجية من منطقتها، لتكتشف أسرارها وتعيدها إلى عالم لم ترغب يوماً في العودة إليه.
في صباح ربيعي، اهتزت الغابة بأصوات غريبة – محركات سيارات، وصيحات بشرية، وطقطقة أجهزة إلكترونية. اختبأت إشراق داخل كوخها، تراقب بحذر مجموعة من الأشخاص يرتدون ملابس رسمية يقتربون من منطقتها. كانت بعثة من علماء الجيولوجيا، جاءوا لدراسة تكوينات صخرية نادرة في هذا الجزء من الغابة.
لكن ما أذهلهم ليس الصخور، بل المنزل الخشبي المزخرف بشكل فني مذهل، والأثاث الملون، والتماثيل الصغيرة المنتشرة حوله. بدأوا بالتقاط الصور وتدوين الملاحظات.
نادت امرأة ذات شعر أشقر مجعد، تبدو مختلفة عن الآخرين، أكثر “هل هناك أحد؟” لطفاً. “نحن لا نريد إيذاءك!”
بعد تردد، خرجت إشراق من مخبئها، شاحبة خائفة. بدت وكأنها حيوان بري محاصر، عيناها تنقلان مزيجاً من الخوف والتحدي.
” قالت المرأة بابتسامة دافئة. “أنا الدكتورة سارة، عالمة جيولوجيا. ما اسمك؟ “مرحباً،”
” أجابت بصوت بالكاد مسموع “إشراق،.
دارت عينا سارة حول المكان بإعجاب. “هل صنعت كل هذا بنفسك؟ إنه مذهل!”
لم تجب إشراق، بل ظلت متيقظة، كحيوان يستعد للهرب في أي لحظة.
سرعان ما انتشر خبر “فتاة الغابة” التي تعيش وحدها وسط البرية وتصنع أعمالاً فنية مذهلة. وصلت الشرطة والصحافة، وتم اصطحاب إشراق للتحقيق، رغم مقاومتها ودموعها.
” سألها المحقق بجدية “من أين حصلت على هذه الأشياء؟.
“أنا… أرسمها،” أجابت إشراق ببساطة، غير قادرة على شرح ما كان يحدث، وخائفة من مشاركة سرها.
” سأل آخر “منذ متى وأنت تعيشين هناك؟.
“لا أعرف… ربما سنتين أو ثلاث.”
اعتبرها البعض مجنونة، لكن الفحوصات الطبية أكدت أنها سليمة عقلياً، مما زاد من حيرة المسؤولين. تعاطفت الدكتورة سارة مع محنتها، وقررت أن تتكفل بها مؤقتاً، لحمايتها من الاستغلال.
” كانت إشراق تكرر كل يوم، بينما دموعها تنهمر بصمت “أريد العودة إلى منزلي،.
في غضون ذلك، انتشرت صور الأعمال الفنية الموجودة في كوخ إشراق في الصحف ووسائل الإعلام. كانت قطعاً غير عادية – مزيج من الأثاث البسيط والتماثيل والمزهريات، كلها بألوان زاهية ونقوش فريدة. بدأ التجار وهواة جمع التحف يتهافتون عليها، عارضين مبالغ خيالية.
” قالت سارة ذات مساء وهما جالستان في شقتها الصغيرة. “”إشراق، الناس مستعدون لدفع الكثير مقابل الأشياء التي صنعتها. يمكن أن تصبحي غنية.”
نظرت إشراق إليها بلا مبالاة. “إذا أعطيتهم ما يريدون، هل سيدعونني أعود إلى منزلي؟”
“لو التقيت بأشخاص آخرين، لاستغلوك بلا رحمة. أنا أريد مساعدتك. تنهدت سارة وأمسكت بيدها. “
شيئاً فشيئاً، بدأت إشراق تثق بسارة. أخبرتها بقصة حياتها المؤلمة، لكنها احتفظت بسر الرسم السحري لنفسها. بمساعدة محامٍ استعانت به سارة، تمكنت إشراق من تجاوز المشاكل القانونية المتعلقة بإقامتها غير المشروعة في محمية طبيعية.
دافع المحامي عنها بحرارة: “هل كل شخص صنع شيئاً بيديه أو لديه حرفة أو ورث شيئاً عن والديه يكون مجرماً وسارقاً؟ هذه الفتاة ليست سوى فنانة موهوبة تبحث عن مكان آمن.”
مع بيع بعض من أعمالها الفنية، أصبحت إشراق فجأة تمتلك ثروة لم تكن تتخيل حجمها.
” اقترحت سارة بحماس”الآن يمكنك شراء منزل حقيقي،.
هزت إشراق رأسها برفض قاطع. “أنا لا أريد. أريد العودة إلى الغابة.”
“لكن الدولة لن تسمح لك بالعيش هناك مرة أخرى. إنه مكان خطر ومحمية طبيعية.”
“لا! وألف لا!” صرخت إشراق في نوبة غضب نادرة. “لن أعيش وسط هؤلاء الناس مرة أخرى!”
بعد نقاشات طويلة، اقترحت سارة حلاً وسطاً – شراء قطعة أرض كوخ إشراق الأصلي، والحصول على تصريح قانوني لإقامتها هناك. اكتشفوا أن المسؤولين طلبوا مبالغ خيالية مقابل بيع جزء من المحمية، بالإضافة إلى تكاليف بناء طريق يؤدي إلى الموقع.
” قالت سارة بقلق”إذا دفعت هذا المبلغ، لن يتبقى لك شيء من المال!.
لكن إشراق، وللدهشة العارمة، وافقت على الفور. “لا يهم. أريد العودة إلى بيتي.”
بعد شهر من الإجراءات والدفعات، لم يبق في حساب إشراق سوى القليل. لكن في المقابل، أصبحت تمتلك قطعة أرض قانونية وسط الغابة، وطريقاً خاصاً يؤدي إليها.
سارعت إشراق إلى نافذة السيارة، تلتهم المشهد بعينين تترقرقان بالدموع. كانت كل شجرة تمر من أمامها تُحيي نبضاً في قلبها كان قد خمد. ارتسمت على شفتيها ابتسامة لم تظهر منذ شهور، تلك الابتسامة التي تنبع من روح وجدت طريقها للعودة.
” سألتها سارة بتعجب، “ما كل هذه الفرحة يا إشراق؟”لم أرك هكذا من قبل!”
لم تجب إشراق، كانت أصابعها ترتعش فرحاً وهي تضغط بكفيها على زجاج النافذة، كما لو أنها تريد أن تختصر المسافة. انسابت دمعة على خدها المتورد، دمعة لم تحاول مسحها.
“إنه مثل… مثل رجوع الروح للجسد،” همست أخيراً بصوت مختنق، “أتعلمون كيف يشعر الطائر المحبوس عندما يفتح له أحدهم باب القفص؟”
دار المحامي برأسه نحوها، متفاجئاً من النبرة المليئة بالانفعال في صوتها، هو الذي لم يرَ منها سوى الهدوء والصمت طوال الأسابيع الماضية.
مع اقتراب السيارة من الغابة الكثيفة، أصبح تنفس إشراق أسرع وأعمق، كأنها تستنشق عبير الحياة نفسها. كانت يداها ترتجفان من شدة الانفعال، وعيناها تلمعان كنجمتين في ليلة صافية.
عندما لاح الكوخ من بعيد، أطلقت صرخة فرح خافتة، وضعت يدها على قلبها الذي كاد أن يقفز من صدرها. “هناك! هناك!” صاحت بصوت متهدج، “هذا بيتي، هذا عالمي!”
ما إن توقفت السيارة حتى فتحت الباب بيدين مرتعشتين، وقفزت خارجها قبل أن تتوقف تماماً. سقطت على ركبتيها فور ملامسة قدميها للأرض، غارسة أصابعها في التراب الرطب، تشمه بشغف وتضحك من خلال دموعها المنهمرة.
نهضت متثاقلة من فرط المشاعر، واندفعت نحو الكوخ كطفلة تركض نحو أمها بعد فراق طويل. تعثرت مرتين لكنها لم تكترث، ترنحت نحو الباب الخشبي، ضمّته إلى صدرها وهي تنشج دون خجل.
“عُدت إليك… عُدت،” همست بصوت مرتعش للجدران التي كانت تحتويها، لأشجار الغابة التي كانت شاهدة على سنوات عمرها، “لم أعد أستطيع التنفس بعيداً عنكِ.”
وقفت سارة والمحامي في صمت، يشاهدان هذا الانفجار العاطفي بقلوب مثقلة بالتأثر. كانت دموع إشراق تتساقط على عتبة الباب، أما وجهها فكان يشع بضوء داخلي كأنه سراج أُعيد إشعاله.
” قالت سارة، تمسح دموعها هي الأخرى “إلى اللقاء يا إشراق،.
ركضت إشراق نحوها واحتضنتها بقوة، دافنة وجهها في كتفها. “شكراً لك،” همست، “شكراً لأنك أعدتني إلى بيتي.”
كان المشهد مؤثراً، حتى أن المحامي الصارم اغرورقت عيناه بالدموع.
” تساءل المحامي بينما كانوا يغادرون “هل ستنجو في هذا المكان الموحش؟.
ابتسمت سارة. “موحش بالنسبة لنا، أما هي… فهذا منزلها ووطنها. ألم تر فرحتها؟”
” تمتم المحامي “غريب أمر هذه الدنيا،.
” أجابت سارة بحكمة “غريب أمرنا نحن،.
عادت إشراق إلى كوخها الذي لم يتبق منه سوى الهيكل وبعض الزخارف التي لم تثر اهتمام التجار. بهدوء وسعادة، عادت لروتينها القديم – جمع الثمار، الاعتناء بنباتاتها السحرية، صيد الدجاج البري، والأهم من ذلك كله، الرسم.
في هذه المرة، كانت ترسم بدون خوف. بين أصابعها، تحولت ألوان النباتات السحرية إلى أثاث جديد، زخارف بديعة، وأدوات نافعة. لم تعد تخشى التحقيقات الحكومية، فهي الآن “من الأغنياء” في نظرهم، ومن الطبيعي أن تمتلك تحفاً فنية.
كانت سارة تزورها بين الحين والآخر، أحياناً تجلب معها تجاراً مهتمين بشراء قطع فنية جديدة. كانت إشراق ترفض في البداية، لكن سارة كانت تقنعها برفق، وتضع المال في حساب إشراق للطوارئ.
في إحدى الزيارات، جلست سارة مع إشراق على سجادة ملونة أمام الكوخ، تتأملان غروب الشمس بين الأشجار.
“أتعرفين يا إشراق،” قالت سارة بهدوء، “لا أفهم كيف يمكنك العيش هنا وحدك، بعيداً عن كل شيء. ألا تشعرين بالوحدة؟”
ابتسمت إشراق وهي تنظر إلى الأفق الذهبي. “لست وحيدة. أنا مع الأشجار والطيور والنجوم. هنا، أستطيع أن أتنفس، أن أكون نفسي. هنا، لا أحتاج إلى التظاهر أو الخوف.”
تأملتها سارة بإعجاب. “أنت حكيمة أكثر مني بكثير يا إشراق.”
ضحكت إشراق بخفة. “لست حكيمة. أنا فقط وجدت مكاني في هذا العالم.”
أخرجت إشراق من جيبها قلادة صغيرة ملونة، صنعتها بنفسها. “هذه لك،” قالت وهي تضعها في يد سارة، “لتتذكريني دائماً.”
دمعت عينا سارة وهي تحضن إشراق. “سأزورك دائماً. وأنت أصبحت مثل أختي الصغيرة.”
هزت إشراق رأسها بامتنان، ولم تقل شيئاً. كانت كلمة “أخت” تعني لها الكثير، خاصةً بعد سنوات من الوحدة والفقدان.
مرت الأشهر، وأصبح كوخ إشراق أكثر جمالاً وإبداعاً من أي وقت مضى. كانت تستكشف قدراتها السحرية يوماً بعد يوم، تكتشف أن النباتات السحرية تختلف قوتها باختلاف فصول السنة، وأن مزجها معاً يمكن أن ينتج قطعاً أكثر متانة وجمالاً.وتكتشف المزيد حول الغابة
النهاية
هل تريد الجزء الثاني من القصة؟ 📖✨ نحب أن نسمع رأيك! 💬💙اكتب لنا في التعليقات اسفل
خاتمة قصة اليوم
هكذا انتهت رحلة إشراق في الملاذ الأخير، حيث تعلمت درسًا سيبقى معها للأبد. تُظهر هذه القصة كيف يمكن للإرادة أن تصنع المستحيل، وتلهم كل من يبحث عن الأمل في أصعب اللحظات. إن كنت قد استمتعت بهذه القصة، فلا تبخل بمشاركتها مع أصدقائك، فقد تكون مصدر إلهام لهم أيضًا! تابعنا للمزيد من قصص قبل النوم الطويلة والقصيرة التي تأخذك إلى عوالم مدهشة.
تعليق واحد