قصة دفتر الكوابيس

في مشهد أدبي يزدهر بالقصص القصيرة التي تحمل طابعًا عربيًا أصيلًا، تبرز قصة قصة دفتر الكوابيس كواحدة من الأعمال التي تجمع بين الرمزية النفسية والفانتازيا الغامضة. هذه القصة، التي تنتمي إلى فئة القصص القصيرة ، تأخذ القارئ في رحلة مثيرة عبر عقل بطلها أحمد، الذي يجد نفسه أمام قوة غريبة وغير متوقعة تتحدى حدود الواقع والخيال.
من خلال سرد مشوق مليء بالتفاصيل الدقيقة، تقدم القصة لمحة عن الصراع الداخلي للإنسان العربي بين الخير والشر، وبين العدالة الشخصية والقوانين الأخلاقية. باستخدام عناصر الرعب النفسي وحبكات درامية متقنة، تعكس القصة قدرة الكتاب العرب على إبداع عوالم خيالية تحمل رسائل عميقة ومثيرة للتأمل.
قصة دفتر الكوابيس ليست مجرد قصة قصيرة؛ بل هي لوحة أدبية تجمع بين الغموض، القوة الخارقة، والرمزية الفلسفية، مما يجعلها إضافة مميزة للمكتبة العربية الحديثة.
اذا كنتم تحبون👈 قصص تجمع بين قصص الواقع والخيال👈 فقصة الحذاء القديم ذكريات الماضي و قصة إشراق والملاذ الأخير كذالك ستنال اعجابكم.
قصة دفتر الكوابيس
البداية في المصح
في زاوية هادئة من مصح “الوادي الهادئ” للطب النفسي، جلس أحمد متكئاً على نافذة غرفته، ممسكاً بدفتر أسود صغير بين يديه المرتعشتين. كان الخريف قد بدأ يرسم لوحته على الأشجار المحيطة بالمصح، وتساقطت أوراق الشجر الصفراء ببطء لتغطي الممرات الحجرية القديمة. الضباب الخفيف غلّف المبنى الحجري العتيق، الذي بُني في الثلاثينيات من القرن الماضي، وأصبح ملاذاً لأولئك الذين تحطمت عقولهم.
نظر أحمد في الدفتر الذي منحه إياه الدكتور سعيد قبل أسبوعين. دفتر بسيط، أسود اللون، خالٍ من أي زخارف، لكنه أصبح مركز عالمه الآن. تنهد بعمق وهو يتذكر كلمات الطبيب: سجّل كوابيسك. اكتب ما تراه في منامك. سيساعدك هذا على مواجهة مخاوفك.
مرت أصابعه على الصفحات المكتوبة بخط متعرج، نتاج ليالٍ طويلة من الأرق والهلوسة. عيناه العميقتان الغائرتان في وجهه الشاحب أخذتا تتفحصان السطور، وشفتاه ترتجفان قليلاً مع كل كلمة يقرأها.
اكتشاف القوة
الكابوس الأول كان عن سيارة حمراء تصطدم بشجرة على طريق جبلي ملتوٍ. كتبه في اليوم الأول بعد أن أفاق مذعوراً، غارقاً في عرقه. وفي الصباح التالي، أثناء جلسة العلاج الجماعي، دخلت الممرضة سلمى الغرفة بوجه شاحب، وأخبرت الجميع أن أحد الأطباء المساعدين قد توفي في حادث سير على الطريق الجبلي المؤدي إلى المصح. سيارة حمراء، اصطدمت بشجرة.
قلّب أحمد صفحة أخرى من الدفتر. الكابوس الثاني كان عن حريق يندلع في مبنى سكني قديم، والنيران تلتهم الطابق الثالث. بعدها بيوم واحد، عنونت الصحف المحلية التي تصل إلى المصح: “حريق يودي بحياة عائلة كاملة في حي الزهور القديم”.
أغلق الدفتر بعنف وضغط عليه بكلتا يديه، كأنه يحاول احتواء شيء خطير بداخله. مرت ثلاثة أسابيع منذ أن بدأ في تسجيل كوابيسه، وبدأ يدرك الحقيقة المرعبة: كل ما يكتبه في هذا الدفتر يتحول إلى واقع. كوابيسه تخرج من عالم الأحلام إلى عالم الحقيقة، حاملة معها الرعب والموت.
تذكر أحمد كيف وصل إلى هنا. كان مصوراً صحفياً، غطى حروباً وكوارث حول العالم. رأى من الفظائع ما لا يُحتمل. جثث تحت الأنقاض، أطفال يبكون بجانب جثث آبائهم، دماء وأشلاء ودمار. حتى انهار عقله تحت وطأة ما شاهده. بدأت الكوابيس تطارده، والهلوسات تسيطر عليه. وبعد محاولة انتحار فاشلة، وجد نفسه في مصح “الوادي الهادئ”.
قطع أفكاره صوت طرق خفيف على باب غرفته. دخلت الممرضة سلمى، ذات الابتسامة الهادئة والعينين اللتين تحملان نظرة حنان نادرة في هذا المكان.
قالت سلمى: الدكتور سعيد يريد رؤيتك في مكتبه الآن. جلسة فردية غير مجدولة.
أخفى أحمد الدفتر تحت وسادته: حسناً، سآتي حالاً.
في مكتب الدكتور سعيد، كان الضوء خافتاً، والهواء ثقيلاً برائحة الكتب القديمة والقهوة. جلس الطبيب خلف مكتبه الخشبي الضخم، تتناثر عليه أوراق وملفات المرضى. كان رجلاً في الخمسينات من عمره، ذا لحية مشذبة ونظارات مستديرة، وخطوط تجاعيد عميقة على جبهته تشي بسنوات من الإرهاق.
أشار الدكتور سعيد إلى الكرسي أمامه: تفضل يا أحمد. كيف حالك اليوم؟
جلس أحمد متوتراً على حافة المقعد: بخير، أعتقد.
أخذ الدكتور سعيد نفساً عميقاً: أحمد، هل أحضرت معك دفتر الكوابيس؟
ارتجف أحمد: لا، تركته في غرفتي.
هز الطبيب رأسه: لا بأس. لقد لاحظت عليك توتراً متزايداً في الأيام الأخيرة. هل هناك شيء تود إخباري به؟
تردد أحمد للحظات، ثم قرر أن يتكلم: دكتور، هل تؤمن بالظواهر الخارقة للطبيعة؟
رفع الدكتور سعيد حاجبيه: أنا رجل علم يا أحمد. أؤمن بما يمكن إثباته وقياسه.
لكن أحمد لم يتراجع: ولكن ماذا لو كان هناك شيء لا يمكن تفسيره علمياً؟ ماذا لو… ماذا لو كانت الكوابيس تتحول إلى حقيقة؟
صمت الدكتور للحظات قبل أن يجيب: أحمد، ما تعاني منه يسمى “توهم الارتباط”. عقلك يبحث عن روابط بين أحداث مستقلة ليعطيها معنى.
لكن أحمد هز رأسه: لا، أنت لا تفهم. كل ما أكتبه في الدفتر يحدث فعلاً. حادث السيارة، الحريق، وأمس…
تردد قليلاً قبل أن يكمل: أمس كتبت عن رجل يموت غرقاً في بحيرة قريبة من هنا. وصباح اليوم سمعت الممرضات يتحدثن عن جثة وُجدت في البحيرة المجاورة للمصح.
نظر الدكتور سعيد إليه بعينين ثاقبتين: وهل تظن أن كتابتك للكابوس هي سبب هذه الوفاة؟
نعم، أنا متأكد من ذلك! همس أحمد.
تنهد الدكتور سعيد: أحمد، سأزيد جرعة الدواء المضاد للذهان. يبدو أن الأوهام تزداد سوءاً. لنتقابل غداً في الموعد نفسه.
عاد أحمد إلى غرفته، ممتلئاً بالإحباط والخوف. كان يعلم أن ما يحدث حقيقي، وليس مجرد أوهام كما يدّعي الدكتور سعيد. استلقى على سريره، سحب الدفتر من تحت الوسادة، وفتحه ليقرأ الكوابيس التي سجلها.
في تلك الليلة، لم يستطع النوم. ظل يفكر في قوة الدفتر وفي المسؤولية التي أصبحت على عاتقه. لديه القدرة على تغيير الواقع، على إحداث كوارث، على إنهاء حيوات.
في الصباح التالي، التقى بنادر، أحد المرضى الذين كان يعتبرهم أصدقاء في المصح. كان نادر شاباً في الثلاثينات، أدخل المصح بعد نوبة هوس حادة. جلسا معاً في حديقة المصح، تحت شجرة بلوط كبيرة، وراح أحمد يراقب الأوراق المتساقطة.
سأله نادر: تبدو شارداً اليوم. هل أنت بخير؟
أجاب أحمد بصوت منخفض: لا، لست بخير. أنا أفكر… أفكر في قوة الكلمات.
ضحك نادر: نعم، الكلمات قوية. هكذا علمتنا الحياة.
نظر أحمد إلى صديقه: وماذا لو كانت الكلمات تملك قوة حرفية؟ قوة تغيير الواقع؟
صمت نادر للحظات، ثم قال: تتحدث عن السحر؟ أو ربما… شيء من الخيال العلمي؟
اقترب أحمد من نادر، وبصوت خافت: سأخبرك بسر، لكن عليك أن تعدني بألا تخبر أحداً.
وعد نادر، وبدأ أحمد يحكي له عن الدفتر، عن كوابيسه التي تتحول إلى حقيقة، وعن خوفه من هذه القوة الغامضة. كان يتوقع أن يسخر منه نادر أو يعتبره مجنوناً، لكن صديقه أصغى بانتباه، وبدا مهتماً بشكل غريب.
بعد أن انتهى أحمد من قصته، سأله نادر: وماذا ستفعل الآن؟
أجاب أحمد: لا أعرف. يمكنني التوقف عن الكتابة، لكن…
لكن ماذا؟ حثه نادر.
رفع أحمد رأسه، وفي عينيه بريق غريب: لكنني أفكر… ماذا لو استخدمت هذه القوة للخير؟
صمت نادر للحظات، ثم قال بصوت هادئ: قوة كهذه خطيرة يا صديقي. من أنت لتقرر ما هو الخير وما هو الشر؟
شعر أحمد بوخز في قلبه: أنا فقط… أتخيل. ربما أستطيع كتابة كوابيس عن الظالمين، عن المجرمين…
ابتسم نادر ابتسامة غامضة: كن حذراً مما تتمناه يا أحمد. قد تكتشف أن الحدود بين الخير والشر ليست واضحة كما تظن.
في تلك الليلة، جلس أحمد في غرفته، ممسكاً بالدفتر، متردداً. كان نادر على حق. كيف يمكنه أن يقرر من يستحق العقاب؟ هل هو إله ليحكم على الناس؟ ولكن، ماذا عن المجرمين الذين يفلتون من العدالة؟ ماذا عن الظالمين الذين يستمرون في إيذاء الآخرين؟
فتح الدفتر، وبدأ يكتب. هذه المرة، لم يكتب كابوساً عشوائياً. بل كتب عن رجل معين، رجل أعمال مشهور يُدعى فريد الشرقاوي، معروف بفساده واستغلاله للفقراء. كتب أحمد أن فريد يواجه كابوساً يتحول فيه كل ماله إلى تراب، ويجد نفسه محاطاً بأشباح ضحاياه التي لا تُعد ولا تُحصى.
الصديق الغامض
في صباح اليوم التالي، كانت الصحف تحمل خبراً مثيراً. فريد الشرقاوي أُصيب بنوبة ذعر شديدة، واعترف علناً بكل جرائمه، وتبرع بكل ثروته للجمعيات الخيرية، قبل أن يُنقل إلى مصح نفسي.
وقف أحمد أمام النافذة، ينظر إلى ما وراء أسوار المصح، إلى عالم يمكنه الآن تغييره. قوة هائلة في يديه، قوة تتجاوز حدود الفهم. في داخله، شعر بمزيج من النشوة والخوف. هل هذا هو القدر، أم لعنة؟
الاستخدام الأول
في تلك الليلة، كتب أحمد كابوساً آخر. هذه المرة، عن رئيس عصابة مخدرات في المدينة، يموت بعد أن يعترف بكل جرائمه ويرشد الشرطة إلى مخابئ المخدرات وقوائم عملائه.
وبعد يومين، بدأت سلسلة من الاعتقالات الكبيرة، بعد العثور على جثة رئيس عصابة المخدرات وبجانبه اعترافات كاملة. في غرفته، شعر أحمد بنشوة كبيرة. كان يشعر أنه يغير العالم، يخلصه من الشر.
الانحدار الأخلاقي
مع مرور الأيام، استمر أحمد في استخدام الدفتر. نظف المدينة من المجرمين، واحداً تلو الآخر. وفي كل مرة، كان يبرر لنفسه ما يفعله. إنه يحقق العدالة التي تعجز عنها القوانين والمحاكم.
لكن الدكتور سعيد بدأ يلاحظ تغيراً في سلوك أحمد. أصبح أكثر ثقة، أكثر هدوءاً، لكن في عينيه ظهرت نظرة غريبة، نظرة سلطة وقوة لا تتناسب مع مريض نفسي. أصبح أحمد يجلس منتصب القامة في الجلسات، ينظر إلى الآخرين بنظرة فوقية، وكأنه يحمل سراً عظيماً.
في إحدى الجلسات، سأله الدكتور سعيد: أحمد، هل ما زلت تسجل كوابيسك في الدفتر؟
أجاب أحمد ببرود: نعم، أسجلها. إنها تساعدني كثيراً، كما قلت.
نظر إليه الدكتور بعينين ثاقبتين: وهل تشعر بتحسن؟
ابتسم أحمد: أكثر مما تتخيل.
في تلك الليلة، قرر أحمد أن يكتب عن شخصية جديدة. كان قد قرأ في الصحيفة عن قاضٍ فاسد، أطلق سراح متهم بالاغتصاب مقابل رشوة كبيرة. كتب أحمد كابوساً مروعاً، يرى فيه القاضي نفسه محاطاً بأشباح ضحاياه، وهم يقتربون منه، ويقطعون أوصاله، ببطء شديد.
في صباح اليوم التالي، وجد القاضي ميتاً في منزله، في وضع يشبه تماماً ما كتبه أحمد. للمرة الأولى، شعر أحمد بالخوف من نفسه. هل تجاوز الخط الرفيع بين العدالة والانتقام؟
زاره نادر في غرفته في وقت متأخر من الليل، وجلس معه على حافة السرير.
سأله نادر: هل تشعر بالندم؟
هز أحمد رأسه: لا أدري. كان قاضياً فاسداً، ترك مجرماً يعود إلى الشارع، لكن… هل كان ينبغي أن أقتله؟
ابتسم نادر ابتسامة غريبة: أحمد، لقد جربت طعم القوة الآن. كيف تشعر؟
أجاب أحمد بصدق: مرعب. ومُسكر في الوقت نفسه.
وضع نادر يده على كتف أحمد: أنت تتغير يا صديقي. لم تعد ذلك المريض المسكين الذي دخل المصح منذ أشهر. الآن، أنت أكثر من ذلك بكثير.
نظر أحمد إلى صديقه: ولكن هل هذا صحيح؟ ما أفعله… هل هو خير أم شر؟
هز نادر كتفيه: من يستطيع أن يقول؟ الحدود بين الخير والشر رمادية. ولكنك الآن تملك قوة تغيير العالم. استخدمها بحكمة.
في الأيام التالية، بدأ أحمد يشعر بتغير عميق في داخله. لم يعد يهتم بجلسات العلاج، أو بآراء الأطباء، أو بحكم المجتمع عليه. كان يشعر أنه فوق كل ذلك.
بدأ يخطط لاستخدام الدفتر على نطاق أوسع. لم يعد يكتفي بمعاقبة المجرمين، بل بدأ يكتب عن ظالمين ومستغلين من كل نوع. سياسيون فاسدون، أغنياء يستغلون الفقراء، قادة يتلاعبون بمصائر شعوبهم. واحداً تلو الآخر، كانوا يسقطون.
الحدود الضائعة
في إحدى الليالي، تلقى الدكتور سعيد مكالمة هاتفية غريبة، من شخص لم يعرف هويته. أخبره المتصل أن يراقب المريض أحمد مراقبة دقيقة، فهو يمثل خطراً أكبر مما يتخيل.
وفي صباح اليوم التالي، طلب الدكتور سعيد من أحمد أن يحضر دفتر الكوابيس معه إلى الجلسة. تردد أحمد، لكنه أحضره في النهاية، وهو يشعر بالقلق.
أخذ الدكتور سعيد الدفتر، وبدأ يتصفحه بصمت، وملامح وجهه تتغير مع كل صفحة يقلبها. ثم نظر إلى أحمد نظرة عميقة، وقال: هل تؤمن حقاً أن ما تكتبه في هذا الدفتر يتحول إلى حقيقة؟
أجاب أحمد بثقة: نعم، أؤمن بذلك.
سأله الدكتور: وهل تظن أن هذا يمنحك الحق في تقرير مصائر الآخرين؟ في أن تكون قاضياً وجلاداً؟
شعر أحمد بالغضب يتصاعد في داخله: هل ترى أن ما أفعله خطأ؟ أنا أخلص العالم من الظالمين، من المجرمين الذين يفلتون من العدالة.
هز الدكتور سعيد رأسه: بل أنت تأخذ دور الإله، تقرر من يعيش ومن يموت. هذه ليست عدالة يا أحمد، هذا جنون العظمة.
في تلك اللحظة، شعر أحمد بغضب عارم، ودون تفكير، انتزع الدفتر من يد الدكتور، وغادر المكتب راكضاً، عائداً إلى غرفته. أغلق الباب، وجلس على سريره، يلهث، ويشعر بضربات قلبه المتسارعة.
الكشف عن الحقيقة
في تلك الليلة، جلس أحمد يفكر. هل كان الدكتور سعيد على حق؟ هل تجاوز الحدود؟ هل أصبح الآن مثل أولئك الذين أراد معاقبتهم، يتلاعب بمصائر الآخرين؟
دخل نادر غرفته، وجلس بجانبه. سأله بهدوء: هل غيرت رأيك؟
هز أحمد رأسه: لا أدري. ربما كان الدكتور سعيد على حق. ربما تجاوزت الحدود.
ضحك نادر: هل تعتقد أن أحداً في هذا العالم يملك الحق في الحكم عليك؟ أنت الآن تملك قوة لا يملكها غيرك.
نظر أحمد إلى صديقه، وللمرة الأولى، رأى شيئاً غريباً في عينيه. لمعان غير طبيعي، نظرة لا تخص بشراً.
سأله بصوت مرتجف: من أنت حقاً يا نادر؟
ابتسم نادر: أنا صديقك، أنا من منحك هذه القوة. أنا من خلق هذا الدفتر خصيصاً لك.
شعر أحمد بقشعريرة تسري في جسده: لماذا؟ لماذا أنا؟
أجاب نادر: لأنني رأيت فيك شيئاً مميزاً. رأيت شخصاً يملك القدرة على تغيير العالم. كنت تحمل في داخلك ألماً عميقاً، ومعه رغبة قوية في تحقيق العدالة. مزيج مثالي.
وقف أحمد، مبتعداً عن نادر: وما الثمن؟ ما الذي تريده مقابل هذه “القوة”؟
ضحك نادر: أنت ذكي. نعم، هناك ثمن. كل قوة لها ثمن. ثمن الدفتر هو روحك.
شعر أحمد بخوف عميق: روحي؟ ماذا تعني؟
اقترب نادر منه، وعيناه تلمعان بشكل غير طبيعي: كل مرة تستخدم فيها الدفتر، تفقد جزءاً من إنسانيتك. شيئاً فشيئاً، تصبح مثلي. كائناً يتجاوز حدود البشر، لا يخضع للقوانين الأخلاقية.
فجأة، فهم أحمد حقيقة ما كان يحدث. لقد وقع في فخ. لقد استخدم قوة الدفتر، معتقداً أنه يحقق العدالة، بينما كان في الواقع يفقد روحه، يفقد إنسانيته، شيئاً فشيئاً.
نظر إلى نادر بتحدٍ: لن أسمح لك بأخذ روحي. سأتوقف عن استخدام الدفتر.
ضحك نادر: فات الأوان يا صديقي. أنت الآن جزء من اللعبة، وستستمر فيها حتى النهاية.
في تلك الليلة، كان أحمد يواجه أصعب قرار في حياته. عليه أن يختار: إما الاستمرار في استخدام الدفتر، وفقدان ما تبقى من روحه، أو التوقف، ومواجهة عواقب ذلك.
جلس أمام النافذة، ينظر إلى القمر، ويفكر. ثم، في لحظة حاسمة، أخذ الدفتر، وكتب فيه كابوساً أخيراً. كابوساً عن نادر، يكشف حقيقته، ويفقد قوته، ويتحول إلى بشر عادي.
في الصباح التالي، استيقظ أحمد ليجد نادر واقفاً في غرفته، وعيناه مليئتان بالغضب. صرخ نادر: ماذا فعلت؟ كيف تجرؤ؟
شعر أحمد ببعض القوة تعود إليه: لقد أدركت الحقيقة. الدفتر ليس وسيلة للعدالة، بل فخ للروح. ولن أسمح لك بأخذ روحي.
حاول نادر أن يهجم على أحمد، لكنه سقط، متلوياً من الألم. كان كابوس أحمد يتحقق: كان نادر يفقد قوته، يتحول إلى بشر عادي
بعد ساعات، دخل الدكتور سعيد إلى غرفة أحمد ليجده جالساً على سريره، هادئاً، والدفتر في يده. سأله الدكتور: هل أنت بخير؟
أومأ أحمد برأسه ببطء، وقدم الدفتر للدكتور سعيد: خذه. لن أستخدمه بعد اليوم.
نظر الدكتور إلى الدفتر بتردد، ثم أخذه من يد أحمد: هل يمكنك إخباري بما حدث؟
ظل أحمد صامتاً للحظات، ثم بدأ يحكي. أخبر الدكتور سعيد بكل شيء، عن قوة الدفتر، عن نادر وحقيقته، عن كيف استخدم الدفتر للانتقام، ثم كيف أدرك أنه كان يخسر نفسه في العملية.
أصغى الدكتور سعيد إلى القصة بأكملها دون مقاطعة، وبعد أن انتهى أحمد، سأله: وماذا عن نادر الآن؟
هز أحمد كتفيه: لا أعرف. اختفى بعد أن كتبت عنه في الدفتر. ربما هو الآن مجرد إنسان عادي في مكان ما.
وضع الدكتور سعيد الدفتر جانباً: أحمد، العقل البشري معقد جداً. أحياناً، عندما نمر بصدمات كبيرة، يخلق عقلنا قصصاً وتفسيرات تساعدنا على التكيف.
نظر أحمد إلى الدكتور: أنت لا تصدقني. تظن أن كل هذا كان وهماً.
أجاب الدكتور بلطف: أنا أؤمن أن ما عشته كان حقيقياً بالنسبة لك. وهذا ما يهم. المهم هو أنك الآن تشعر بتحسن، وأنك اتخذت قراراً شجاعاً.
سمع أحمد طرقاً على الباب، ودخلت الممرضة سلمى، حاملة صينية الدواء الصباحي. ابتسمت له بلطف: صباح الخير يا أحمد. كيف حالك اليوم؟
أجاب أحمد بابتسامة خفيفة: بخير، شكراً.
غادر الدكتور سعيد الغرفة، حاملاً الدفتر معه، وظل أحمد يتناول دواءه ويفكر. ربما كان الدكتور على حق. ربما كان كل شيء مجرد وهم، خلقه عقله المتعب من سنوات الصدمات والكوابيس.
في الأسابيع التالية، تحسنت حالة أحمد بشكل ملحوظ. أصبح أكثر هدوءاً، أكثر انفتاحاً في جلسات العلاج، وقلّت كوابيسه. بدأ يشارك في الأنشطة الجماعية، ويتواصل مع المرضى الآخرين. لكنه لم يرَ نادر مرة أخرى، وعندما سأل عنه، أخبره الموظفون أنه لا يوجد مريض بهذا الاسم في المصح.
في يوم من الأيام، بينما كان أحمد يتصفح جريدة قديمة في قاعة المصح، وقعت عيناه على مقال صغير أثار اهتمامه. كان المقال يتحدث عن وفاة غامضة لرجل يُدعى نادر الشاذلي، وُجد ميتاً في شقته قبل عشر سنوات، في ظروف غامضة. وما أثار دهشة أحمد هو الصورة المرافقة للمقال – كانت صورة لنادر، صديقه في المصح.
شعر أحمد بقشعريرة تسري في جسده. هل كان نادر حقيقياً إذن؟ هل كان شبحاً؟ أم كائناً من نوع آخر؟ وإذا كان نادر حقيقياً، فهل كان الدفتر حقيقياً أيضاً؟
عاد إلى غرفته، وجلس على سريره، يفكر. مرت الأيام والأسابيع، وظلت الأسئلة تدور في ذهنه دون إجابات.
بعد ستة أشهر من العلاج المكثف، قرر الدكتور سعيد أن حالة أحمد تحسنت بما يكفي للسماح له بمغادرة المصح. في اليوم الأخير له هناك، زاره الدكتور في غرفته ليودعه.
قال الدكتور سعيد: أنا فخور بالتقدم الذي أحرزته يا أحمد. لقد واجهت مخاوفك، وتغلبت عليها.
سأله أحمد: دكتور، هل تذكر ذلك الدفتر؟ الذي كنت أكتب فيه كوابيسي؟
أومأ الدكتور برأسه: نعم، أذكره.
أتساءل… ماذا فعلت به؟
ابتسم الدكتور: لقد احتفظت به، كما طلبت. إنه في مكتبي. هل تريده؟
تردد أحمد للحظات، ثم هز رأسه: لا، يمكنك الاحتفاظ به. لقد تجاوزت تلك المرحلة.
عندما غادر أحمد المصح، كان العالم يبدو مختلفاً. ألوان أكثر إشراقاً، روائح أكثر نقاءً، وأصوات أكثر وضوحاً. كان يشعر وكأنه وُلد من جديد، متحرراً من ماضيه ومن كوابيسه.
عاد إلى مهنته كمصور صحفي، لكنه اختار هذه المرة تصوير الجمال بدلاً من الفظائع. صوّر الطبيعة، والأطفال، والحياة اليومية البسيطة. وفي كل صورة يلتقطها، كان يرى قصة، قصة أمل وإنسانية.
النهاية
ماذا لو كان دفتر الكوابيس الذي في القصة موجودًا بالفعل بين أيدينا الآن… وربما أنت من دون أن تدري قد بدأت تكتب فيه؟.اعطنا رايك اسفل في التعليقات
نهاية القصة: دفتر الكوابيس
شكرًا لكم على قراءة هذه القصة!
إذا أعجبتكم الحبكة والأفكار التي طرحتها، فلا تترددوا في مشاركتها مع أصدقائكم. قد تكون هذه القصة مصدر إلهام للبعض، أو مجرد وسيلة لإثارة النقاش حول الطبيعة البشرية وما يمكن أن يحدث إذا وقعت قوة هائلة في أيدينا. شاركوا القصة ودعونا ننشر التفكير والإبداع!